تضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة عند الأطفال

تُعتبر الغدد اللمفاوية جزءًا أساسيًا من الجهاز المناعي في جسم الإنسان، وتلعب دورًا حيويًا في مكافحة العدوى وحماية الجسم من الأمراض. تظهر الغدد اللمفاوية في أماكن مختلفة من الجسم، ومن أهم مواقعها منطقة الرقبة، حيث تتجمع الغدد اللمفاوية بشكل ملحوظ. يُعد تضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة عند الأطفال من الحالات الشائعة التي تثير قلق الأهل، ويتطلب فهماً دقيقاً لأسبابه، وأعراضه، وطرق تشخيصه، وأساليب التعامل معه.

تعريف الغدد اللمفاوية ووظيفتها

الغدد اللمفاوية هي عقيدات صغيرة بحجم حبة العدس أو الفول، مكونة من أنسجة ليمفاوية تحتوي على خلايا مناعية مثل الخلايا الليمفاوية (T و B)، والخلايا البلعمية. وظيفتها الأساسية هي تصفية اللمف، السائل الشفاف الذي يحمل خلايا الدم البيضاء، والتقاط الجراثيم والفيروسات والخلايا السرطانية، وبالتالي تنشيط الجهاز المناعي لمكافحة العدوى.

تتوزع الغدد اللمفاوية في مجموعات، وتتواجد بكثرة في الرقبة، تحت الإبطين، والفخذين، والصدر، والبطن. تلعب دورًا هامًا في التعرف على العوامل الغريبة التي تدخل الجسم، وتعمل على تدميرها أو احتجازها لمنع انتشارها.

ما هو تضخم الغدد اللمفاوية؟

تضخم الغدد اللمفاوية هو زيادة في حجم الغدد نتيجة استجابات مناعية أو مرضية. يحدث التضخم عندما تتكاثر الخلايا المناعية داخل الغدة لمواجهة العدوى أو التهيج، مما يؤدي إلى زيادة حجمها ويصبح من الممكن الإحساس بها أو رؤيتها بشكل واضح، خصوصًا في مناطق مثل الرقبة.

في الأطفال، يكون تضخم الغدد اللمفاوية أكثر شيوعًا بسبب تعرضهم المتكرر للالتهابات والأمراض المعدية التي تستثير الجهاز المناعي. يُعد التضخم غالبًا مؤشرًا على وجود التهاب أو عدوى، ولكنه قد يكون أيضًا علامة على أمراض أخرى أكثر تعقيدًا.

أسباب تضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة عند الأطفال

تتنوع أسباب تضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة بين حالات شائعة وبسيطة، وأخرى نادرة وأكثر خطورة. يمكن تقسيم الأسباب إلى فئات رئيسية تشمل:

1. العدوى الفيروسية والبكتيرية

• الالتهابات التنفسية الفيروسية: مثل نزلات البرد، الإنفلونزا، ونزلات الحنجرة تسبب تضخم الغدد اللمفاوية بشكل شائع بسبب استجابة الجهاز المناعي للفيروس.

• التهابات البكتيريا: التهابات الحلق مثل التهاب الحلق العقدي (Streptococcal pharyngitis)، والتهابات الأذن الوسطى، وعدوى الأسنان يمكن أن تؤدي إلى تضخم الغدد.

• عدوى فيروسية أخرى: مثل فيروس إبشتاين بار المسبب لمرض كثرة الوحيدات (Mononucleosis)، وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV).

• عدوى بكتيرية خاصة: كداء السُّبات (tuberculosis) أو داء القطط (Cat Scratch Disease) الناجم عن بكتيريا Bartonella henselae.

2. الحالات الالتهابية والمناعية

• أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء أو التهاب المفاصل الروماتويدي يمكن أن تسبب تضخم الغدد اللمفاوية.

• حالات الالتهابات المزمنة أو الحساسية.

3. الأورام والأمراض الخبيثة

رغم ندرتها في الأطفال مقارنة بالكبار، إلا أن الأورام اللمفاوية (الليمفوما)، وسرطانات الدم (اللوكيميا)، وبعض الأورام الأخرى يمكن أن تتظاهر بتضخم الغدد اللمفاوية. في هذه الحالات، يكون التضخم غالبًا مستمرًا، صلب الملمس، غير مؤلم، وقد يصاحبه أعراض أخرى مثل فقدان الوزن، الحمى، والتعرق الليلي.

4. أسباب أخرى

• الإصابة الطفيلية.

• استجابة الجسم لبعض الأدوية.

كيف يتم تقييم تضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة عند الأطفال؟

الفحص السريري

• حجم الغدة: الغدد الصغيرة التي لا تتجاوز 1 سم في الأطفال عادةً ما تكون طبيعية.

• الملمس: الغدد اللينة والمؤلمة عادةً ما تكون ناتجة عن التهابات، أما الغدد الصلبة غير المؤلمة فقد تشير لأسباب أخرى.

• عدد الغدد: وجود غدد متعددة منتشرة يشير عادةً إلى عدوى عامة.

• مدة التضخم: الغدد المتضخمة لفترة قصيرة غالبًا ما تكون مرتبطة بعدوى، أما التضخم المستمر لأكثر من 3-4 أسابيع يحتاج إلى تقييم دقيق.

• وجود أعراض مصاحبة: مثل الحمى، التعب، فقدان الوزن، أو علامات الالتهاب.

الفحوصات المخبرية

• الدم الكامل (CBC): لفحص عدد خلايا الدم البيضاء والصفائح الدموية، وتقييم علامات الالتهاب أو وجود خلايا غير طبيعية.

• اختبارات الالتهاب: مثل معدل ترسيب كريات الدم الحمراء (ESR) أو البروتين التفاعلي C (CRP).

• اختبارات محددة للعدوى: مثل تحليل الأجسام المضادة لفيروس إبشتاين بار، أو اختبار الزرع البكتيري للحلق.

التصوير الطبي

• الأشعة فوق الصوتية (Ultrasound): يُستخدم لتقييم شكل الغدد، حجمها، ونوعية النسيج الداخلي، ويساعد في تمييز التضخم الحميد عن الحالات الأخرى.

• التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) أو الأشعة المقطعية (CT scan): في حالات محددة يحتاجها الطبيب لتقييم انتشار التضخم وأخذ عينات من الغدد.

أخذ خزعة

في الحالات التي يشتبه فيها وجود أمراض خبيثة أو عندما لا يستجيب التضخم للعلاج، يتم اللجوء لأخذ خزعة من الغدة اللمفاوية لتحليلها نسيجيًا.

معالجة تضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة عند الأطفال

تعتمد طرق العلاج بشكل أساسي على السبب الكامن وراء التضخم، وتختلف من حالة لأخرى.

1. علاج الأسباب العدوانية (العدوى)

• العلاج بالمضادات الحيوية: في حالة العدوى البكتيرية مثل التهاب الحلق العقدي أو التهابات الأسنان.

• العلاج الداعم للعدوى الفيروسية: مثل الراحة، الترطيب، ومسكنات الألم والحمى، حيث إن معظم العدوى الفيروسية تُشفى ذاتيًا.

• علاج أمراض خاصة: مثل العلاج المضاد للسل أو أمراض أخرى وفق تشخيص الحالة.

2. معالجة الحالات المناعية والالتهابية

• استخدام الأدوية المضادة للالتهاب أو المثبطة للمناعة في حالات المناعة الذاتية.

3. معالجة الحالات الخبيثة

• اعتمادًا على نوع الورم أو السرطان، يتم اللجوء إلى العلاج الكيميائي، الإشعاعي، أو الجراحي وفق توصيات الأطباء المختصين.

4. المراقبة والمتابعة

في كثير من الحالات، خاصة عندما يكون التضخم بسيطًا وغير مصحوب بأعراض مقلقة، يوصى بالمراقبة والمتابعة الطبية المنتظمة لتقييم تطور الحالة.

مضاعفات تضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة

غالبًا ما يكون تضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة عند الأطفال حالة حميدة وتزول مع علاج السبب، إلا أنه في بعض الحالات قد تحدث مضاعفات مثل:

• خراج الغدد اللمفاوية: تجمع صديدي داخل الغدة نتيجة عدوى بكتيرية متقدمة، ويحتاج إلى تصريف جراحي.

• انتشار العدوى: إذا لم يتم علاج العدوى الأساسية بشكل مناسب، قد تنتشر العدوى إلى مناطق أخرى.

• الأورام الخبيثة: في الحالات النادرة قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة حسب نوع الورم وانتشاره.

عوامل خطر تضخم الغدد اللمفاوية عند الأطفال

• التعرض المتكرر للعدوى، خصوصًا في مرحلة الطفولة المبكرة.

• ضعف المناعة بسبب أمراض مزمنة أو أدوية مثبطة للمناعة.

• نقص النظافة الشخصية في بعض الحالات.

• التعرض للبيئات المزدحمة، مثل المدارس ورياض الأطفال.

الفروقات بين تضخم الغدد اللمفاوية عند الأطفال والكبار

• أكثر شيوعًا عند الأطفال بسبب كثرة التعرض للعدوى.

• لدى الأطفال تكون الغدد عادة أكثر لينة ومؤلمة، وتتحسن بسرعة بعد علاج السبب.

• عند البالغين، تضخم الغدد اللمفاوية قد يشير أكثر إلى حالات خطيرة مثل الأورام.

نصائح عامة للعناية بالأطفال المصابين بتضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة

• متابعة الحالة مع الطبيب وعدم تجاهل التضخم المستمر لأكثر من أسبوعين.

• إعطاء الطفل الراحة الكافية، وتوفير السوائل بكميات مناسبة.

• تجنب الضغط أو التدليك على الغدد المتضخمة لتقليل الألم والتهيج.

• الانتباه لأي علامات خطيرة مثل صعوبة في التنفس، أو استمرار الحمى لفترات طويلة.

مقارنة توضيحية بين أسباب تضخم الغدد اللمفاوية عند الأطفال

الخلاصة

يعد تضخم الغدد اللمفاوية في الرقبة عند الأطفال ظاهرة شائعة تعكس استجابة طبيعية للجهاز المناعي لمجموعة متنوعة من العوامل، أغلبها عدوى فيروسية أو بكتيرية. مع ذلك، يتطلب الأمر مراقبة دقيقة واستشارة طبية متخصصة لضمان التشخيص الصحيح والتعامل المناسب، خاصة عند استمرار التضخم أو ظهور أعراض إضافية تشير إلى حالات أكثر خطورة. الحفاظ على متابعة الحالة مع الطبيب والتدخل العلاجي المبكر يساهم في الوقاية من المضاعفات وضمان صحة الطفل على المدى الطويل.

المراجع:

1. Nelson Textbook of Pediatrics, 21st Edition, 2020.

2. Kumar, Abbas, Aster, “Robbins Basic Pathology,” 10th Edition, 2018.